فصل: ثَمَّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.تَبَارَكَ:

تَبَارَكَ: فِعْلٌ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا بِلَفْظِ الْمَاضِي، وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا لِلَّهِ.

.تَعَالَ:

تَعَالَ: فِعْلُ أَمْرٍ، لَا يَتَصَرَّفُ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: إِنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ.

.ثُمَّ:

ثُمَّ: حَرْفٌ يَقْتَضِي ثَلَاثَةَ أُمُورٍ:
التَّشْرِيكُ فِي الْحُكْمِ، وَالتَّرْتِيبُ، وَالْمُهْلَةُ، وَفِي كُلٍّ خِلَافٌ.
أَمَّا التَّشْرِيكُ فَزَعَمَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ: أَنَّهُ قَدْ يَتَخَلَّفُ، بِأَنْ تَقَعَ زَائِدَةً، فَلَا تَكُونُ عَاطِفَةً أَلْبَتَّةَ، وَخَرَّجُوا عَلَى ذَلِكَ: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} [التَّوْبَة: 118].
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْجَوَابَ فِيهَا مُقَدَّرٌ.
وَأَمَّا التَّرْتِيبُ وَالْمُهْلَةُ فَخَالَفَ قَوْمٌ فِي اقْتِضَائِهَا إِيَّاهُمَا، تَمَسُّكًا بِقَوْلِه: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزُّمَر: 6]. {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ} [السَّجْدَة: 7- 9]، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]. وَالِاهْتِدَاءُ سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ، {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الْأَنْعَام: 153- 154].
وَأُجِيبُ: عَنِ الْكُلِّ بِأَنَّ ثُمَّ لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ حرف (ثم) مَعْنَاهُ وَاسْتِعْمَالَاته.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَغَيْرُ هَذَا الْجَوَابِ أَنْفَعُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يُصَحِّحُ التَّرْتِيبَ فَقَطْ لَا الْمُهْلَةَ، إِذْ لَا تَرَاخِيَ بَيْنَ الْإِخْبَارَيْنِ. وَالْجَوَابُ الْمُصَحَّحُ لَهُمَا مَا قِيلَ فِي الْأُولَى: إِنَّ الْعَطْفَ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ: مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ: أَنْشَأَهَا ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وَفِي الثَّانِيَة: أَنَّ (سَوَّاهُ) عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ، وَفِي الثَّالِثَةِ أَنَّ الْمُرَادَ: ثُمَّ دَامَ عَلَى الْهِدَايَةِ.
فَائِدَةٌ:
أَجْرَى الْكُوفِيُّونَ (ثُمَّ) مَجْرَى الْفَاءِ وَالْوَاوِ، فِي جَوَازِ نَصْبِ الْمُضَارِعِ الْمَقْرُونِ بِهَا بَعْدَ فِعْلِ الشَّرْطِ، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْحَسَن: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ} [النِّسَاء: 100] بِنَصْبِ يُدْرِكُهُ.

.ثَمَّ:

ثَمَّ: بِالْفَتْحِ، اسْمٌ يُشَارُ بِهِ إِلَى الْمَكَانِ الْبَعِيدِ، نَحْوَ: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} [الشُّعَرَاء: 64] وَهُوَ ظَرْفٌ لَا يَتَصَرَّفُ، فَلِذَلِكَ غَلِطَ مَنْ أَعْرَبَهُ مَفْعُولًا لِـ: (رَأَيْتَ) فِي قَوْلِه: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} [الْإِنْسَان: 20] وَقُرِئَ (فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثَمَّ اللَّهِ) [يُونُسَ: 46] أَيْ: هُنَالِكَ اللَّهُ شَهِيدٌ، بِدَلِيل: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} [الْكَهْف: 44].
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ فِي قَوْلِه: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} [يُونُسَ: 51] مَعْنَاهُ: هُنَالِكَ، وَلَيْسَتْ ثُمَّ الْعَاطِفَةَ.
وَهَذَا وَهْمٌ، أَشْبَهَ عَلَيْهِ الْمَضْمُومَةُ بِالْمَفْتُوحَةِ.
وَفِي التَّوْشِيحِ لِخَطَّابٍ: (ثَمَّ) ظَرْفٌ فِيهِ مَعْنَى الْإِشَارَةِ إِلَى حَيْثُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ فِي الْمَعْنَى.

.جَعَلَ:

قَالَ الرَّاغِبُ: لَفْظٌ عَامٌّ فِي الْأَفْعَالِ كُلِّهَا، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ فَعَلَ وَصَنَعَ، وَسَائِرِ أَخَوَاتِهَا. وَيَتَصَرَّفُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: يَجْرِي مَجْرَى صَارَ وَطَفِقَ، وَلَا يَتَعَدَّى، نَحْوَ: جَعَلَ زَيْدٌ يَقُولُ كَذَا.
وَالثَّانِي: مَجْرَى أَوْجَدَ، فَيَتَعَدَّى لِمَفْعُولٍ وَاحِدٍ، نَحْوَ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الْأَنْعَام: 1].
وَالثَّالِثُ: فِي إِيجَادِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ وَتَكْوِينِهِ مِنْهُ، نَحْوَ: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النَّحْل: 72]، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} [النَّحْل: 81].
وَالرَّابِعُ: فِي تَصْيِيرِ الشَّيْءِ عَلَى حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ، نَحْوَ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} [الْبَقَرَة: 22]، {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نُوحٍ: 16].
الْخَامِسُ: الْحُكْمُ بِالشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ، حَقًّا كَانَ، نَحْوَ: {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الْقَصَص: 7]. أَوْ بَاطِلًا، نَحْوَ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} [النَّحْل: 57]. {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الْحِجْر: 91].

.حَاشَا:

حَاشَا: اسْمٌ بِمَعْنَى التَّنْزِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَاشَا لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} [يُوسُفَ: 51]. {حَاشَا لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا} [يُوسُفَ: 31]، لَا فِعْلٌ وَلَا حَرْفٌ، بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ: {حَاشًا لِلَّهِ} بِالتَّنْوِينِ، كَمَا يُقَالُ: {بَرَاءَةٌ لِلَّهِ} وَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {حَاشَا اللَّهِ} بِالْإِضَافَةِ كَـ: {مَعَاذَ اللَّهِ}، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَدُخُولِهَا عَلَى اللَّامِ فِي قِرَاءَةِ السَّبْعَةِ، وَالْجَارُّ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْجَارِّ، وَإِنَّمَا تُرِكَ التَّنْوِينُ فِي قِرَاءَتِهِمْ لِبِنَائِهَا، لِشَبَهِهَا بِحَاشَا الْحَرْفِيَّةِ لَفْظًا.
وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا اسْمُ فِعْلٍ، مَعْنَاهُ: أَتَبَرَّأُ وَتَبَرَّأْتُ، لِبِنَائِهَا.
وَرُدَّ بِإِعْرَابِهَا فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ.
وَزَعَمَ الْمُبَرِّدُ وَابْنُ جِنِّي: أَنَّهَا فِعْلٌ، وَأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْآيَة: جَانَبَ يُوسُفُ الْمَعْصِيَةَ لِأَجْلِ اللَّهِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا يَتَأَتَّى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى.
وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: حَاشَا فِعْلٌ مِنَ الْحَشَا، وَهُوَ النَّاحِيَةُ، أَيْ: صَارَ فِي نَاحِيَةٍ، أَيْ: بَعُدَ مِمَّا رُمِيَ وَتَنَحَّى عَنْهُ، فَلَمْ يَغْشَهُ وَلَمْ يُلَابِسْهُ.
وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ حَاشَا إِلَّا اسْتِثْنَائِيَّةً.

.حَتَّى:

حَتَّى: حَرْفٌ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ كَـ: (إِلَى) لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي أُمُورٍ:
فَتَنْفَرِدُ حَتَّى بِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ إِلَّا الظَّاهِرَ، وَإِلَّا الْآخِرَ الْمَسْبُوقَ بِذِي أَجْزَاءٍ أَوِ الْمُلَاقِيَ لَهُ، نَحْوَ: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [الْقَدْر: 5].
وَأَنَّهَا لِإِفَادَةِ تَقَضِّي الْفِعْلِ قَبْلَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا.
وَأَنَّهَا لَا يُقَابَلُ بِهَا ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ.
وَأَنَّهَا يَقَعُ بَعْدَهَا الْمُضَارِعُ الْمَنْصُوبُ بِأَنِ الْمَقْدَّرَةِ، وَيَكُونَانِ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَخْفُوضٍ.
ثُمَّ لَهَا حِينَئِذٍ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ:
مُرَادَفَةُ إِلَى: نَحْوَ: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91]، أَيْ: إِلَى رُجُوعِهِ.
وَمُرَادَفَةُ كَيِ التَّعْلِيلِيَّة: نَحْوَ: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ} [الْبَقَرَة: 217]، وَ{لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفُضُوا} [الْمُنَافِقُونَ: 7].
وَتَحْتَمِلُهَا: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الْحُجُرَات: 9].
وَمُرَادَفَةُ إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء: وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا} [الْبَقَرَة: 102].
مَسْأَلَةٌ:
مَتَى دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ الَّتِي بَعْدَ (إِلَى) وَ(حَتَّى) فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهَا، أَوْ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِ، فَوَاضِحٌ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ.
فَالْأَوَّلُ: نَحْوَ: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [الْمَائِدَة: 6]. {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى دُخُولِ الْمَرَافِقِ وَالْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ.
وَالثَّانِي: نَحْوَ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [الْبَقَرَة: 187] دَلَّ النَّهْيُ عَنِ الْوِصَالِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ اللَّيْلِ فِي الصِّيَامِ {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [الْبَقَرَة: 280]. فَإِنَّ الْغَايَةَ لَوْ دَخَلَتْ هُنَا لَوَجَبَ الْإِنْظَارُ حَالَ الْيَسَارِ- أَيْضًا-، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ وَتَفْوِيتِ حَقِّ الدَّائِنِ.
وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا:- وَهُوَ الْأَصَحُّ- تَدْخُلَ مَعَ (حَتَّى) دُونَ (إِلَى) حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ فِي الْبَابَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مَعَ الْقَرِينَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ مَعَ (إِلَى) وَالدُّخُولُ مَعَ (حَتَّى)، فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ.
وَالثَّانِي: تَدْخُلُ فِيهِمَا عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: لَا فِيهِمَا، وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلَيْنِ فِي اسْتِوَائِهِمَا بِقَوْلِه: {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يُونُسَ: 98]. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ (حَتَّى حِينٍ).
تَنْبِيهٌ:
تَرِدُ حَتَّى ابْتِدَائِيَّةً أَيْ: حَرْفًا يُبْتَدَأُ بَعْدَهُ الْجُمَلُ أَيْ: تُسْتَأْنَفُ فَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ الْمُضَارِعِيَّةِ وَالْمَاضِيَّةِ، نَحْوَ: {حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ} [الْبَقَرَة: 214]، بِالرَّفْعِ، {حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا} [الْأَعْرَاف: 214 95]، {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} [آلِ عِمْرَانَ: 152].
وَادَّعَى ابْنُ مَالِكٍ أَنَّهَا فِي الْآيَاتِ جَارَّةٌ لِـ: (إِذَا) وَلِـ: (أَنْ) مُضْمَرَةٍ فِي الْآيَتَيْنِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ.
وَتَرِدُ عَاطِفَةً، وَلَا أَعْلَمُهُ فِي الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِهَا قَلِيلٌ جِدًّا، وَمِنْ ثَمَّ أَنْكَرَهُ الْكُوفِيُّونَ أَلْبَتَّةَ.
فَائِدَةٌ: إِبْدَالُ حَائِهَا عَيْنًا لُغَةُ هُذَيْلٍ، وَبِهَا قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ.

.حَيْثُ:

حَيْثُ: ظَرْفُ مَكَانٍ استعمالات (حيث) الظَّرْفِيَّة. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَتَرِدُ لِلزَّمَانِ.
مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ تَشْبِيهًا بِالْغَايَاتِ، فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْجُمَلِ كَلَا إِضَافَةٍ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قوله: {مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الْأَعْرَاف: 27]: مَا بَعْدَ حَيْثُ صِلَةٌ لَهَا، وَلَيْسَتْ بِمُضَافَةٍ إِلَيْهِ، يَعْنِي: أَنَّهَا غَيْرُ مُضَافَةٍ لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهَا، فَصَارَتْ كَالصِّلَةِ لَهَا، أَيْ: كَالزِّيَادَةِ، وَلَيْسَتْ جُزْءًا مِنْهَا. وَفَهِمَ الْفَارِسِيُّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ فَرُدَّ عَلَيْهِ.
وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُعْرِبُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِيهَا عَلَى الْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَعَلَى الْفَتْحِ لِلتَّخْفِيفِ، وَتَحْتَمِلُهَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: {مِنْ حَيْثِ لَا يَعْلَمُونَ} [الْأَعْرَاف: 182] بِالْكَسْرِ. {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثَ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الْأَنْعَام: 124] بِالْفَتْحِ.
وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَصَرَّفُ.
وَجَوَّزَ قَوْمٌ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ كَوْنَهَا مَفْعُولًا بِهِ عَلَى السَّعَةِ، قَالُوا: وَلَا تَكُونُ ظَرْفًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ فِي مَكَانٍ أَعْلَمَ مِنْهُ فِي مَكَانٍ، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى: اللَّهُ يَعْلَمُ نَفْسَ الْمَكَانِ الْمُسْتَحِقِّ لِوَضْعِ الرِّسَالَةِ، لَا شَيْئًا فِي الْمَكَانِ. وَعَلَى هَذَا فَالنَّاصِبُ لَهَا (يَعْلَمُ) مَحْذُوفًا مَدْلُولًا عَلَيْهِ بـ: (أَعْلَمُ) لَا بِهِ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَنْصِبُ الْمَفْعُولَ بِهِ إِلَّا إِنْ أَوَّلْتَهُ بِعَالِمٍ.
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: الظَّاهِرُ إِقْرَارُهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ، وَتَضْمِينُ (أَعْلَمَ) مَعْنَى مَا يَتَعَدَّى إِلَى الظَّرْفِ، فَالتَّقْدِيرُ: اللَّهُ أَنْفَذُ عِلْمًا حَيْثُ يَجْعَلُ، أَيْ: هُوَ نَافِذُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

.دُونَ:

دُونَ: تَرِدُ ظَرْفًا نَقِيضَ (فَوْقَ) (دون الظرفية) وَمَا قِيلَ فِي اسْتِعْمَالَاتهَا فَلَا تَتَصَرَّفُ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَقِيلَ: تَتَصَرَّفُ، وَبِالْوَجْهَيْنِ قُرِئَ: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الْجِنّ: 11] بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ.
وَتَرِدُ اسْمًا بِمَعْنَى (غَيْرَ) نَحْوَ: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} [الْأَنْبِيَاء: 24] أَيْ: غَيْرَهُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَاهُ: أَدْنَى مَكَانٍ مِنَ الشَّيْءِ.
وَتُسْتَعْمَلُ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْحَالِ، نَحْوَ: زَيْدٌ دُونَ عَمْرٍو، أَيْ: فِي الشَّرَفِ وَالْعِلْمِ.
وَاتُّسِعَ فِيهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي تَجَاوُزِ حَدٍّ إِلَى حَدٍّ، نَحْوَ: {لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [النِّسَاء: 144] أَيْ: لَا تُجَاوِزُوا وِلَايَةَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى وِلَايَةِ الْكَافِرِينَ.

.ذُو:

ذُو: اسْمٌ بِمَعْنَى صَاحِبٍ، وُضِعَ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى وَصْفِ الذَّوَاتِ بِأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، كَمَا أَنَّ (الَّذِي) وُضِعَتْ صِلَةً إِلَى وَصْفِ الْمَعَارِفِ بِالْجُمَلِ.
وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُضَافًا.
وَلَا يُضَافُ إِلَى ضَمِيرٍ وَلَا مُشْتَقٍّ، وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ، وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عَالِمٍ عَلِيمٌ} [يُوسُفَ: 76].
وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ عَنْهَا بِأَنَّ الْعَالِمَ هُنَا مَصْدَرٌ كَالْبَاطِلِ، أَوْ بِأَنَّ ذِي زَائِدَةٌ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَالْوَصْفُ بـ: (ذُو) أَبْلَغُ مِنَ الْوَصْفِ بِصَاحِبٍ، وَالْإِضَافَةُ بِهَا أَشْرَفُ، فَإِنَّ (ذُو) يُضَافُ لِلتَّابِعِ وَصَاحِبَ يُضَافُ إِلَى الْمَتْبُوعِ، تَقُولُ: أَبُو هُرَيْرَةَ صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَقُولُ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَمَّا (ذُو) فَإِنَّكَ تَقُولُ: ذُو الْمَالِ، وَذُو الْفَرَسِ، فَتَجِدُ الِاسْمَ الْأَوَّلَ مَتْبُوعًا غَيْرَ تَابِعٍ، وَبُنِيَ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [الْآيَة: 87]، {وَذَا النُّونِ} فَأَضَافَهُ إِلَى النُّونِ وَهُوَ الْحُوتُ، وَقَالَ فِي سُورَةِ (ن) [الْآيَة: 48]، {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} قَالَ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، لَكِنْ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ فِي حُسْنِ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَالَتَيْنِ، فَإِنَّهُ حِينَ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ أَتَى بِذِي؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِهَا أَشْرَفُ، وَبِالنُّونِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ أَشْرَفُ مِنْ لَفْظِ الْحُوتِ، لِوُجُودِهِ فِي أَوَائِلِ السُّورِ؛ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْحُوتِ مَا يُشَرِّفُهُ لِذَلِكَ، فَأَتَى بِهِ وَبِصَاحِبٍ حِينَ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ النَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِهِ.

.رُوَيْدًا:

رُوَيْدًا: اسْمٌ لَا يُتَكَلَّمُ بِهِ إِلَّا مُصَغَّرًا مَأْمُورًا بِهِ، وَهُوَ تَصْغِيرُ (رَوَدٍ) وَهُوَ الْمَهَلُ.

.رُبَّ:

رُبَّ حَرْف الجر (رب) معناه وَاسْتِعْمَالَاته: حَرْفٌ فِي مَعْنَاهُ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا لِلتَّقْلِيلِ دَائِمًا، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.
الثَّانِي: لِلتَّكْثِيرِ دَائِمًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الْحِجْر: 2] فَإِنَّهُ يَكْثُرُ مِنْهُمْ تَمَنِّي ذَلِكَ، وَقَالَ الْأَوَّلُونَ: هُمْ مَشْغُولُونَ بِغَمَرَاتِ الْأَهْوَالِ، فَلَا يُفِيقُونَ بِحَيْثُ يَتَمَنَّوْنَ ذَلِكَ إِلَّا قَلِيلًا.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا لَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ.
الرَّابِعُ: لِلتَّقْلِيلِ غَالِبًا، وَالتَّكْثِيرِ نَادِرًا، وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ.
الْخَامِسُ: عَكْسُهُ.
السَّادِسُ: لَمْ تُوضَعْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، بَلْ هِيَ حَرْفُ إِثْبَاتٍ، لَا تَدُلُّ عَلَى تَكْثِيرٍ وَلَا تَقْلِيلٍ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ خَارِجٍ.
السَّابِعُ: لِلتَّكْثِيرِ فِي مَوْضِعِ الْمُبَاهَاةِ وَالِافْتِخَارِ، وَلِلتَّقْلِيلِ فِيمَا عَدَاهُ.
الثَّامِنُ: لِمُبْهَمِ الْعَدَدِ، تَكُونُ تَقْلِيلًا وَتَكْثِيرًا، وَتَدْخُلُ عَلَيْهَا (مَا) فَتَكُفُّهَا عَنْ عَمَلِ الْجَرِّ وَتُدْخِلُهَا عَلَى الْجُمَلِ. وَالْغَالِبُ حِينَئِذٍ دُخُولُهَا عَلَى الْفِعْلِيَّةِ الْمَاضِي فِعْلُهَا لَفْظًا وَمَعْنًى، وَمِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ. قِيلَ: إِنَّهُ عَلَى حَدّ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [الْكَهْف: 99].